ساعات كتير أوي بيجي على بالي كلام ابن القيم عن الإسلام لمّا يجي يوم القيامة في صورة رجل ويشهد على كل واحد ويقول "هذا خذلني وهذا نصرني" لغاية ما يجي عند سيدنا عمر بن الخطاب ويمسك بيده ويرفعها ويقول "يا رب، لقد كُنتُ غريباً حتى أسلم هذا الرجل"... وأقعد أفكّر، طب يا ترى هيجي يشاور عليَّ ويقول إيه؟! يا ترى هأقدر أقف يومها وأفخر بحاجة عملتها لله سبحانه وتعالى وللرسول الكريم؟! يا ترى سيدنا محمد (ص) لما يقابلني (ما هو أصل كده كده كلنا هنقابله) هيبقى سعيد وفخور بيَّ ولا هأبقى مش قادرة أرفع عيني في عينه؟!
لمّا بأقرأ عند عمر بن الخطّاب، بينتابني شعور غريب! خصوصاً المرّة اللي قرأت فيها كتاب سلمان العودة "أخر لحظات الفاروق"... الكتاب ببساطة شديدة بيحكي آخر ثلاث أيام في حياة عمر منذُ أن طُعِن في صلاة الفجر إلى موته...
أنا عايزاكم تتخيّلوا كل واحد فيكم على فراش موته، يصارع سكرات الموت هيكون بيفكّر في إيه؟! اللي هيكون بيفكّر في أولاده وأهله و و و... بس ليس عمر!
كان مبدأياً أول حاجة سأل عليها عمر بن الخطاب لمّا فاق من غيبوبة الطعنة هل اللي طعنه مسلم ولا لأ؛ ولمّا عرف إنّه مش مسلم، حمد الله عزّ وجل علشان ميحملش مسلم ذنب قتله... وبعد ذلك، بدأ يسأل ويهتم ويرتّب أمور الدولة علشان المسلمين من بعده...
بصراحة، بعد ما خلّصت الكتاب ووجدت نفسي أبكي بشّدة وكل اللي على بالي "لقد مات عمر... لقد مات عمر..."
رمضان اللي فات، طلع برامج كثيرة بتتكلّم عنّه وكنت بتسائل في نفسي "ليه؟!"... ليه الاهتمام العظيم ده به؟! وجاءتني الإجابة لمّا كنت بتكلّم مع حد قائلاً "أكتر حاجة كانت بتميّزه هو العدل واحنا دلوقتِ أحود للعدل من أي وقت آخر... فالناس شايفة فيه المثل الأعلى اللي محتاجاه... خصوصاً إن ظروف الدولة ساعتها كانت مشابهة لدلوقتِ"...
عمر بن الخطاب... رجل امتزجت شخصيته بالوحي الإلهي... رجل امتزجت طموحاته وأهدافه بأحلام الأمة وأهدافها فأصبح لا يرى غيرها... رجل وضع الله ورسوله وتعليمات الإسلام نُصب عينيه، فسُمِّيَ بالفاروق... رجل اتقى الله حق تُقاته، فأصبح من العشرة المُبشّرين من الجنّة وأول من يأخذ كتابه بيمينه يوم القيامة... أصبح نقطة تحوّل الدعوة من السرّية إلى الجهر...
ساعات بيجي على الواحد لحظات تعب وضيق وخنقة وهم من اللي بيحصّل له في الدنيا دي... مشاكل شغل، عيلة، بيت، حاجة شاغلة الدماغ... وبيوصل لمرحلة عظيمة من التعب والإنهاك...
حقنا! ما احنا بشر... بس عندها لازم نقف ونفكّر... هو أنا متضايق ليه؟! علشان نفسي ولا علشان الأمة والبلد؟! متضايق علشان حاجة جت على كرامتي وبس ولا علشان حاجة غلط اتعملت في حق الله عزّ وجل وضد الفِطرة؟!
لو اتضايقت علشان نفسك فقط، يبقى ستووووووب! أقف ركّز... راجع نفسك أنتَ بتعمل اللي بتعمله ليه.. نيتك إيه... بتعمله لمين من أساسه...
لو لقيت نفسك متضايق علشان حاجات غلط وضد الفِطرة وضد الحق (والحق يتضّمن إن حد ظلمك أو عاملك وحش.. إلخ)، لازم تزعل... !
هتحس بضيق وتوهان وضياع...
هتحس إن في كميّة مشاكل رهيبة وأنت مش ملاحق على إيه ولا إيه... كل ما تعدل حاجة، هوووب التانية تضرب...
هتبقى قاعد مش عارف تنام، دماغك هتنفجر من كثر التفكير واحتمال كمان تعيّط...
مش عيب إنّه يحصل لك كل ده، بالعكس! دي نعمة كبيرة أوي اسمها نعمة "الاستخدام"... بس العيب إنّك تقف عند الشعور ده ومتعملش حاجة!....افصل، ركّز، أعِد ترتيب أوراقك.. اسعَ واشتغل ودوس في كل حتّة ممكن تدوس فيها! اشتغل وخد بالأسباب لغاية ما تحس إنّ خلاااااص تقطّعت بك الأسباب وعملت اللي عليك وزيادة...
يمكن الدنيا ما تمشيش، بس اعرف ساعتها إنّ ربنا سبحانه وتعالى عايز يوصّل لك رسالة محتواها "الأمر بيدي... ارجع لي وادعني استجب لك"... محتواها "اسلم بجد... سلّم لي أمرك... مفيش حد غيري هيساعدك"... علشان نتعلّم معنّى "التوكّل" الحق... ويبقى عندك يقين إن سعيك وتعبك عمره ما هيضيع بل على العكس ربنا بيشكرك عليه!
اوعى تتضايق طول ما أنت بتجتهد وبتعمل اللي عليك وبتحاول تتقي الله سبحانه في كل حاجة بتعملها... لأن الثواب بيبقى أعظم مما تتخيّل! =) في الدنيا والآخرة... أبسطها، ربنا هيكرمك والناس هتبص لك كمثل أعلى...
كلّي ثقة إنّها هتُفرَج، كلّي يقين وثقة إن كل اللي بيحصل لنا تربية إلهية من نوع خاص علشان يُزكّينا ويُعلّمنا ويطلع "القائد" اللي جوانا...
بس مينفعش نقف! مينفعش نُحبَط ونقول مفيش أمل ونركن على جنب!!
صحيح إن عمر بن الخطاب رحل عنّا بجسده، لكنّه لم يرحل عنّا بأثره...
طول ما احنا بنتحرّك وتجتهد ونتعلّم ونشتغل... فلا، لم يمُت عمر!
طول ما احنا بنسعى لتحقيق العزّة ونبقى جزء من النصر مش متفرّجين وخلاص... فلا، لم يمُت عمر!
ويوماً ما... يوماً ما، سيظهر من بيننا ذلك الفاروق مرّة أخرى...
الله المُستعان...