السلام عليكم، ده أول مقال في حياتي أكتبه عن السياسة... احتمال لأنّي قبل كده كنت زي أي حد باحس إني لو اتكلمت في السياسة ممكن اتقفش أو إن إيه الفايدة؟ مجرد إن احنا نحاول نغيّر في اللي قدامنا و شوية نشاطات تساهم في تنمية المجمتع و خلاص...
أعتقد إنّي من أكثر الناس اللي تأثروا بالثورة، من أول ما بدأت لغاية اللحظة اللي باكتب فيها الكلام ده...
أنا هبقى صريحة جدا و أنا باتكلم معاكم، في بداية الثورة كنت عاملة زي اللي كان نايم نوم عمييييييييييييييييييق و جه حد فجأة صحّاه من النوم، ففتح عينه بس لسّة مش مستوعب هو إيه اللي بيحصل، مين، فين، ليه و إزّاي...
ماكنتش عارفة أوزن الأمور و لا أفكر صح، مكنش في رؤية واضحة لأي حاجة... كنت مع التحرير بس كان جوايا خوف، كنت مترددة و مش عارفة هم صح و لا غلط؛ كان جوايا تساؤل كبير أوي هنروح على فين خصوصا بعد ليلة 28 يناير المشئومة... اليوم ده معرفتش أنام غير لمّا الصبح طلع...
بمرور الأيام و اللخبطة اللي حصلت بعد كده و مجئ المجلس العسكري و بداية محاكمات مبارك، حماسي فتر... بدأت استرجع الحياة اللي قبل الثورة مع شوية "فوقان" لحالة عدم استقرار البلد و إنها بتمر بمرحلة انتقالية عصيبة...
في الفترة ديه، لم أكد من مؤيدي الاعتصامات الفئوية اللي حصلت و الكلام اللي حصل كله... كنت حاسّة أوي إن "ما خلاص بقى، يلّا نرجع نشتغل"...
لمّا جه يوم 18 نوفمبر في التظاهرة العظيمة بتاعت التحرير مجددا، بدأت أقول "لأ بقى، الواحد لازم يفهم صح" و من ساعتها و أنا كل اللي بعمله إنّي باسمع الناس بتقول إيه و بأتابع اللي بيحصل عن قرب أوي... و حصلت أحداث العنف الغير طبيعية!
ساعتها كنت بجد مع التحرير قلبا و قالبا! لمّا الواحد بدأ يفهم و تتضح الرؤية، تعرف أد إيه الناس ديه كانت صح! مكنتش عارفة أنزل التحرير خالص... و كانت من أصعب الأيام اللي عدّت عليّا في حياتي، لإنّي كنت حاسّة بتكتيفة غير طبيعية... مش عارفة أعمل حاجة، قاعدة في الشغل، آه، بس قلبي و عقلي و تفكير و أحاسيسي هناك... عايشة كل حاجة بتحصل...
بدأت أفتح مناقشات و أسمع الناس بتتناقش أكثر، مكنتش بدخل فيها أوي لإنّي كنت محتاجة أفهم أكثر و أسمع أكثر علشان أكوّن وجهة نظر و رأي كاملين...
كان آخر حد سمعته امبارح كلام دكتور سليم العوا على الهواء في قناة CBC، و مناقشة مع عمّي كده...
اسمحولي هاعرض وجهة نظري اللي توصلت لها، و بجد يا ريت نتناقش أكثر...
خلّونا نرجع حبّة كده قبل ثورة 25 يناير... نطلع نركب هليكوبتر و نبص على مصر... أطلع من دايرة عائلتك و شغلك و دراستك...
ناس منكم هتقول لي كنّا عايشين و في استقرار، و في ناس هتقول حال البلد كان زفت و الدنيا غالية و الاقتصاد واقع و هتلاقي ناس كثير أوي كانت بتشتم المسئولين و صيغة الكلام كلها إنّها "بتاعتهم، فا فاكس بقى، هاعمل إيه يعني"... و كان فيه أجزاء معيّنة مينفعش نقرّب منها و نتكلّم عنها و لا نناقش أي حاجة فيها... وقتها كنت أعرف مجلس الشعب و الشورى ده اسما فقط، حاجة درستها في الدراسات زمان و معرفش هي بتعمل إيه و لا نظامها إيه و لا الناس بتدخلها إزّاي و لا معادها لا أي بتنجان... صراحة كنت باستغرب لمّا بشوف وقت ما تيجي، لافتات كده متعلّقة في الشارع... بس الأمر لم يكن يتعدّى اللافتات ديه... كان كل واحد فينا كل اللي شاغله شغله و عيلته و دراسته و الأب و الأم همّهم الأول و الأخير لقمة العيش علشان يعيّشوا ولادهم أحسن عيشة، كان أقصانا في التليفزيون، المسلسلات؛ بل أصبح بعض الناس مدمني مسلسلات، لو عملوا فيها امتحان، هتلاقي الناس ديه "امتياز" بدون منافس، و أول ما تيجي أخبار، تقلب القناة فورا... كان الحزب الوحيد المعروف هو "الحزب الوطني الديمقراطي" – كما كان يُسمّى – لكن برضه بيعمل إيه، مين، فين، ليه و إزّاي؟ الله وحده أعلم...
جت الثورة، و توقف حال البلد – كما يقول البعض – استمرت لأسابيع و فُض الاعتصام بميدان التحرير و مسك المجلس العسكري الحكم، و وعد الناس بتحقيق مطالب الثورة و حمايتها، و جاب شفيق يشكّل الحكومة، قعد فيها تقريبا كام أسبوع و الناس قلبت عليه وقالت مش عايزينه، فاستقال و جت حكومة الدكتور عصام شرف...
تدهور في هذة الفترة حال البلد الأمني بزيادة، و زادت "البلطجة" بزيادة و بقينا نسمع كلمة "بلطجي" ديه كثير أوي...
أطِلع معايا دلوقتي، لنظرة الهليكوبتر تاني كده و تعالى نبص على مصر...
اكتشف معايا بعض من أهم الاكتشافات و ثمرة اللي حصل...
1) اكتشفنا إن احنا لمّا بنتجمّع على هدف واحد، بنهز الدنيا، و نقدر نعمل التغيير اللي عايزينه...
2) مصر مش دولة عادية! مصر من أكثر الدول تأثيرا في العالم كلّه... كل عيون العالم عليها، سواء حبا لها أو طمعا فيها... مطلعش كلام بندرسه في الدراسات في المدرسة و خلاص... اكتشف كمية التربصات بمصر الغير عادية و الأسوأ من دول كنّا فاكرينها صديقة، و مش بس كده، افتكر إن أول ما الثورة حصلت اقتصاد أمريكا نزل... مما يعني، إنك مش سهل و لك ثِقل في موازين العالم..
3) الناس بدأت يبقى عندها "الجرأة" إنهّا تتكلم و تعبّر عن رأيها... يمكن مش بالطريقة المناسبة بعد، و ده ينقلنا لنقطة أخرى هجيها في الآخر.
4) الناس بدأت تشغّل مخها و تفكّر و تدوّر... بدأت تتعلم توزن الأمور و بدات تفكّر فين الصح و فين الغلط..
5) ظهر كميّة الفساد اللي كان موجود و أد إيه كنّا بجد مُغَيَبين عن الواقع "انشغل في أكل عيشك و اتلهي فيه و ملكش دعوة باللي فوق"
6) الناس بدأت تتثقّف و تعي إن في حياة أخرى و قضايا أهم لازم الواحد يفكر فيها؛ أهم من مين عمل إيه في المسلسل النهاردة و لا مين كسب ستار أكاديمي... سبحان الله! دلوقتي، تلاقى عدد الناس اللي متابع مسلسلات تقريبا قل للصفر!
7) لاول مرة، تعرف إحساس إن "مصر ديه بتاعتي" لمّا جيت تنتخب...
8) زاد عندك حس المسئولية تجاه البلد ديه، ما يهمّش شكله إيه، بس الأهم إنّه بقى موجود...
9) نقطتان سلبيتان كبيرتان ظهرتا في المجتمع المصري ألا و هما:
a. "ثقافة الإختلاف": إزاي يبقى عندك رأي و عندي رأي و نتناقش سوا من غير خناق و لا تخوين.
b. " الإدارة و التنظيم و التخطيط": أعتقد تقدروا تتكلموا عن النقطة ديه أكثر منّي.
أما عن المجلس العسكري، ففي رأيي، ارتكب خطئين مما يُسَمون "الأخطاء القاتلة"...
1) غباء الإدارة: لم يستطيع المجلس العسكري فهم أو لنقل – إدراك – كيفية التعامل مع هذا الشعب الثائر اللي أنا أقدر أقول إنّه ينطبق عليه المثل القائل "اتق شر الحليم إذا غضب"... لم يستطيع فهم إن كل اللي شعب كان عايزه هو "خطة" و مش أي خطة... بل "خطة زمنية بصورة واضحة" يقول فيها للشعب "أنا هاعمل كذا في المدة الفلانية"... حتّى لو الدنيا ما كانتش واضحة بالنسبة له، بس كان لازم يتكلم مع الناس بصراحة يقول إننا هنحتاج الوقت الفلاني علشان نحط خطة و نقولها لكم..
حد هيقوللي "بس وضع الخطة ديه من وظائف رئيس الوزراء" هأرد و أقول "أيوة، بس هو اللي في الآخر مسئول" و ده ينقلنا للنقطة الأخرى...
2) "لم يُمسك العصاية من النص": اتخذ المجلس بعض القرارات الخاطئة فقط "إرضاءَ" للشعب... أعتقد كان لازم يزن الأمور بموازين مختلفة... مثال، تكليف الدكتور عصام شرف برئاسة الوزراء... آه أختار اللي شعب ميّال له بس لازم أسأل نفسي سؤال "هل هو ينفع يمسك حاجة زي كده؟ هل شخصيته قيادية يعرف يُدير هذا المنصب في هذا الوقت؟"...
يمكن الأخطاء ديه نتجت عن سرعة تلاحقات الأحداث، و إن الجيش لأول مرة يمسك حكم مدني في ظرف مماثلة للحالية و إنّه مسك البلد في ظروف صعبة و كان فيها هرج و مرج و كان عايز يلم الدنيا، و لكن هذا لا يمنع إنه تصرّف ب"غباء" شديد للتعامل مع الموقف
أمّا عن الثوار، فإنّي معهم قلبا و قالبا، و لكن هذا لا يمنع إننا نفكّر بتعقّل و بهدوء...
خلينا نبص على الموقف الآن من تكليف السيد كمال الجنزوري بتشكيل الحكومة... الراجل ده عمل حركة في منتهى الذكاء! بصراحة أُحَيّه عليها... ألا و هي "المجلس الاستشاري" اللي عملوا قبل ما يشكّل الحكومة... يحتوي على الناس اللي التحرير طالبهم مع بعض من شباب ائتلاف الثورة... حركة لم تكن تخظر على بال! و اعتقد هتفرق كثير أوي في رأي الناس في الحكومة اللي هتيجي...
كان نفسي لو مثلا أحمد شفيق اتخذ خطوة زي ديه وقت توليه الوزارة؛ بس حاجة بتعلّمها كل يوم عن يوم إن "كل حاجة بتيجي في وقتها"
و أكثر مثال على كده، موضوع الإنتخابات... بعد ما شُفت اللجنة الإنتخابية النهاردة من كل النواحي، سلبيات و إيجابيات... اقتنعت تماما إن لو كانت ديه دلوقتِ انتخابات الرئاسة، كانت ممكن تبقى كارثة! و هنا، تتجلّى القدرة و الحكمة الإلهية إن "كل حاجة بتيجي في وقتها الصح"، خضنا دلوقتِ تجربة "يعني إيه انتخابات" بإيجابيتها و سلبياتها و جرّبنا و عرفنا علشان لمّا انتخابات الرئاسة تيجي، يبقى الموضوع أحسن بكثير و أكثر تنظيما و تأثيرا... ربنا بيربينا...
يأتي على بالي حاليا قول الشيخ الشعراوي "الثائر الحق هو الذي يثور ليهدم الفساد و يهدأ ليبني الأمجاد" و سأقسمها أربعة مراحل:
من وجهة نظري المتواضعة، أننا بدأنا ندخل المرحلة الثالثة؛ و أعتقد إن "لازم" ندخلها و إلا هندخل مرحلة خطرة من التوهان و الانهيار الاقتصادي...
قال لي أحد أصدقائي في مناقشة "ممكن علشان أنا إيدي ف الشغل فشايف السوق، الاقتصاد واقف و في طريقه للانهيار، و ممكن لو استمررنا كده و الناس ما بدأتش تشتغل "صح"، نوصل لحال الصومال"
لا ألومه و أقدر مخاوفه تماما و عارفة كويس أوي إن الدنيا مش كويسة بس أنا عندي إقتناع داخلي مهم جدا...
أولا، أنا عندي ثقة غير طبيعية في ربنا سبحانه و تعالى إنّه هينصر البلد ديه و إنّه بينظفها، فهي لم تُذكَر في القرآن 7 مرات و في أحاديث الحبيب المصطفى من فراغ...
ثانيا، إن ربنا سبحانه و تعالى لو مكنش بيحب البلد ديه و عايز الخير لأهلها، مكنش أي حاجة من الكلام ده حصل... كان سابنا مُغَيَبين كده في ظُلمات الفساد لغاية ما يهلكنا بإيدينا...
ثالثا، إن دور البلد ديه و الناس اللي عايشة فيه مش هيّن في العالم، فربنا بيربينا تجهيزا لمهمة أعظم بكثير من اللي احنا مُتخيلينه... و فكرة "التربية" ديه تتلخص ف إن ربنا سبحانه و تعالى عايز الناس اللي تُحيي الأمة بمواصفات مُعيّنة؛ زي ما أنت بتقدّم في شركة، لازم يبقى عندك مؤهلات معينة؛ بالمثل، ربنا بيربينا و بينمّي فينا المواصفات ديه... زي مثلا، لو الثورة ما كانتش حصلت، ما كناش عرفنا معنى "في الاتحاد قوة" و لا إن احنا ناقصنا فن الإدارة و ثقافة الاختلاف – ده مثال بسيط –
رابعا و أخيرا، إن اللي مُقدَّر لنا هيحصل سواء أردنا أم لا... لكن اللي علينا إننا نسعى بكل اجتهاد و نأخذ بكل الأسباب.. كان أحد أصدقائي دائما يقول "احنا علينا الprocess مش الresults لإنّها بتاعت ربنا سبحانه و تعالى" وكما قال الشعراوي "حين تكتمل أسباب الخلق، يأتي مدد الخالق"
فببساطة، لازم ندخل جامد في المرحلة الثالثة و الرابعة من مراحل مقولة الشيخ الشعراوي..
لازم نُدرِك إن دلوقتِ مصر تمر بعنق الزجاحة... مرحلة ولادة قيصرية متعسّرة...
مصر محتاجة كل دماغ تفكّر، محتاجة كل إيد تشتغل و تنمّي، محتاجة كلأم وأب و معلم يربّي...
الطريق مش سهل، بس نتائجه و أجره يستحق إن الواحد يتعب علشانه...
هذة وجهة نظر متواضعة، كونتها بعد شوية بحث...
أتمنى تكون واضحة و إنّكم تشاركوني بآرائكم...